: ترددت كثيرا قبل ان اتى اليك ..
نظر الى متفحصا" من وراء نظارته الرقيقة ذهبية الاطار , وقوراً هادئا ذو مظهر ارستقراطى يوحى اليك باصالة المحتد , وجههه مستدير ابيض البشرة مشرب بحمرة ذو شارب خفيف عيناه ضيقتان وان كانتا ذاتا بريق توحيان بالذكاء لكن مالفت انتباهى هو امتلاء ساعداه فقد كان على ما يبدو يتبع نظاما غذائيا مريحا غير مقيد واظن هذا مايجعله يرتدى قميصا خفيفا بالرغم من برودة الجو .
أشار الى ان اجلس
: "لا عليك كلهم كذلك يترددون كثيرا قبل ان ياتون الى- هكذا تجرى دائما الأمور" قالها بصوت خفيض مطمئن جعلنى ابتسم.
جلست في تأنى وانا انظر الي أرضية الغرفة مسترجعا ما كان
___
كنت في الأيام الأخيرة اتجول ليلا كثيرا بعد ان انتابتنى حالات من الارق الشديد قضت مضجعى فاخترت هذا المنوال
وبالرغم من اننا في نهايات شهر ديسمبر الا اننى كنت اشعر بنشوة هائلة وانا اتجول تحت المطر في هذا الحى الراقى قليل السكان لا اكاد أرى غيرى يمشى بالطريق
الى ان رايته يترجل عن سيارته ذات يوم وعرفت انه رجلى المنشود
دلف الى احد العمارات ... تبعته فى هدوء ودخلت وراءه وكان قد سبقنى الى المصعد الذى أشار الى توقفه في الدور الرابع .
تفحصت المدخل رايته متسعا مضاءا بانوار خافتة والى اليسار توجد لافتات عديدة سوداء مستطيلة مكتوب عليها بخط ذهبى
لمحت احداها مكتوب عليها "الأستاذ / جمال مروان المحامى بالنقض والاستئناف " .
رايت الحارس جالسا في استرخاء غير مكلفا نفسه حتى بالنظر الى فقد اعتاد على ما يبدو كثرة المتردد ين على العقار فبادرته: الأستاذ/ جمال هو اللى لسة طالع ده "
" لا يا بيه دا الدكتور أبو العزم – الأستاذ جمال مبيجيش النهاردة " قالها بلهجته الصعيدية الواضحة دون ان يغير من وضعه المسترخى ويداه في جيب الجلباب متدثرا بكوفيته الصوفية من شدة البرد
في لمحة خاطفة نظرت الى لوحة الإعلانات ووجدتها لامعة بين اخواتها " الدكتور / محسن محمود أبو العزم استشارى الامراض النفسية والعصبية "
خرجت من العقار مبتسما متشمما الهواء فقد كان فعلا هو مقصدى اذ لابد ان ازوره يوما وقد كان
--------------------------------
افقت على صوته منبها اياى : خيرا ان شاء الله دعنا نبدا بالتعارف حتى نسهل الأمور.
نظرت اليه متفحصا ثم اردفت : المهندس / عامر حسن علوان استشارى اعمال الترميمات ...... 42 سنة .
- : متزوج ؟
- : لم يسبق لى الزواج
- :مما تشكو؟ قالها مبتسما نصف ابتسامة مشجعة
اخذت نفسا عميقا ناظرا الى سقف الغرفة متاملا اضاءة السقف الغاطسة ثم التفت الى الباب الذى كان الى يسارى على الجانب الاخر من الغرفة
- : لا ادرى من اين ابدا يا دكتور موضوع طويل لا اعرف كيف اقصه عليك
- : لا عليك لن اتركك حتى تكمل ما تريد ان تقص علي
التفت اليه في هدوء , مكتبه صغير ليس عليه الا الوراق التي يدون عليها ما أقول وامامى كان يقبع الشيزلونج الشهير .
- : بدات قصتى منذ كنت في الرابعة من العمر, حينها كنت مقيما في بيت جدتى لفترة عندها اكتشفت قدرتى على القفز لمسافة طويلة
- كنت اقفز الدرج بكامله دفعة واحدة , وكان هذا يسعدنى كثيرا حتى اننى لم امل ابدا من القفز لاسفل الدرج ثم العودة لاعادة القفز
- : في الرابعة من العمر ؟ قالها متعجبا ناظرا الى في تشكك
- : نعم أتذكر ذلك جيدا لم اكن قد التحقت بالمدرسة بعد
- : وكان قد وقع لى حادث اذ قد عضنى قط صغير يلفظ أنفاسه -اثر حادث - حين وطاته وانا اعدو اثناء لهوى مع أبناء خالى بالشارع .
بعد ذلك استمرت قدرتى على القفز في اضطراد حتى اننى كنت اقفز من فوق الدولاب الى السرير ثم فى تطور اخر الى الأرض وأخيرا من فوق السطح متجاوزا السلم البحارى
- : لم ينتهى بى المطاف الى ذلك فقط –
- :اكمل
- : بعد ذلك اكتشفت انى استطيع عكس عملية القفز من اسفل الى اعلى
- : كنت اقفز مباشرة الى اعلى مائدة الطعام
- : ثم حدث انى قد تشاجرت مع اخى فما ان لطمته حتى اصبته بجرح قطعى في الوجه
- : استمرت هذه الأفعال في اطراد مع تطور مراحلى الدراسية فقد كنت استطيع القفز من فوق غرفة الحارس عبر السور الى الشارع مباشرة
- : كل مشاجرة لى تنتهى بكارثة
- : لطمة واحدة تؤدى الى إصابات شديدة – كسر في الاسنان او الانف – ارتجاج بالمخ ثم استدعاء ولى الامر وهكذا
- : أصبحت بعدها افضل الوحدة وتجنب الناس ...
- :كنت اخشى دائما نتائج ما يحدث انت تعرف ...
أشار الى ان نعم –اؤيدك تماما
- : استمرت قدراتى دون زيادة ملحوظة اللهم في المهارات التي اكتسبتها واستثمرتها في تفوقى الرياضى تفوقت في الألعاب القتالية بسرعة حركتى الغير مالوفة مع القفز والوثب لاعلى وللامام كيفما شئت مع شدة ضرباتى الخاطفة
- : كانت امى رحمها الله تقول ان بى مس ...
- : وكان زملائى يقولون ان رد فعلى اسرع من رد الفعلى الطبيعى واننى ابدو في حركاتى كـ...
طاطات راسى صامتا متوقفا عن اكمال الكلمة
- : كحيوان – اكملها هو بهدوء
ساد بيننا صمت للحظات لم يقطعها الا الممرضة تطرق الباب معتذرة ان وقتها قد انتهى ولا تستطيع ان تنتظر اكثر من ذلك خصوصا مع جو الشتاء المخيم .
- اومأ لها مبتسما : لا عليك ساغلق العيادة انا
وما ان أغلقت الباب حتى أشار الى ...
- : استطيع ان اتفهم المشكلة – انت شخص متفوق بدنيا يظهر من طولك الواضح – بنيانك العضلى المتناسق في رشاقة – عمرك الذى لا يبدو عليك اثار مروره – عدم زواجك – انت تشعر انك شخص خطر
- : نعم هو ذلك .
- : واعتزلت الناس اكثر فاكثر .
- : تفوقت في دراستى
- : تفوقت في عملى
- : اخترت العمل في المناطق النائية
- : حتى بدات الأمور تتطور مرة أخرى
نظر الى مستفهما ؟؟؟؟
- لم اذكر لك ان حاسة الشم عندى اقوى من الطبيعى وكذلك حاسة السمع:
- : توقعت ذلك....استمر
- : نعم – لا اعرف – لكن اظن انه حادث – لقد نبحت على الكلاب لأول مرة وحاولت مطاردتى لكنى وقفت وقد انتفخت اوداجى و تضخمت عضلاتى بصورة لم اعهدها من قبل ونظرت الى الكلاب بعدائية شديدة – كنت اشعر انهم اعدائى فما لبثت ان تراجعت مجرجرة اذيالها بين ارجلها .
- : بعدتها انتابتنى حالة من الارق شديدة لم استطع معها النوم ليلا على الاطلاق
- : تزايدت هذه الحالة حتى اننى كنت افضل النوم نهارا مما سبب لى مشكلات كثيرة في عملى
- : وتطور الامر أيضا الى اننى كنت اشعر بالتوتر الشديد اذا اقترب أحدا من محيطى حتى انى تشاجرت كثيرا في عملى , ولما خشيت ان تتصاعد الأمور واعاود مشاجراتى الكارثية – استقلت من عملى
- : ولم اجد بدا من التجوال الليلى عوضا عن النوم
- : تزايدت حالة الارق وبدات أصاب بحالة من فقد الشهية للطعام
- : وهذه هي مشكلتك الان التي دعتك لزيارتى الارق وفقد الشهية للطعام
- : ليس هذا فقط بل أحيانا اشعر اننى ليس انا واننى غير موجود في مكانى الطبيعى
- : أحيانا أرى دماء على ملابسى لا أعرف مصدرها – اسمع أصوات بعيدة تجعلنى اتوتر – حين اسمع الة التنبيه انزعج بشدة واكشر عن انيابى - حينما انظر في المرءاة ليلا أرى عيناى تبرقان ببريق مخيف .
- : انت تظن انك تعانى من هلوسات سمعية وبصرية
- : هل تظن انك قط ؟
اطرقت الى الأرض قليلا وقد سال لعابى الى اقصى درجة ولم اعد احتمل
قلت فيما يشبه الزمجرة ولازلت ناظرا الى الأرض وقد توترت عضلاتى : وهل تعتقد ان زياراتى لك بسبب ظنى انى مجرد قط ؟
توقف عن التدوين مهدءا اياى : لا تغضب انها حالة فصام واضح للاسف .
انتصبت واقفا وفى عينى نظرة وحشية هائلة ارتد على اثرها الطبيب الى الوراء هلعا ...
- : لست قطا ابدا يا دكتور اننى اكبر من ذلك بكثير : ما دفعنى لزيارتك ليس هو المرض
- : ليس هو المرض على الاطلاق .
- : ما دفعنى لزيارتك هو الجوع ...................................
وانقضضت على رقبته في سرعة خاطفة