________
انتبهت فجأة دون مقدمات ... انتفضت كالمذعور من
رقدتي التي كنت ارقدها متوسدا ذراعي الأيمن منكمشا على نفسي مفترشا الأرض في وضع الجنين.............
تلفت حولي فلم أرى الا الضباب يلفني من كل اتجاه .... دعكت عيناي لربما ران عليها بعض ما يحجب الرؤيا فلم يحدث أي تغير ........هززت رأسي، مسحت رقبتي بيدي لعل بي ما يعيق ذهني عن الادراك فلم أجد لذلك اثرا .... رؤياي واضحة ولا يوجد ما يعكر صفو ذهني بل أشعر إنني لم أكن ابدا متيقظا وفي كامل وعيي كما الان ..........
تحسست جسدي جزءا جزءا فلم أجد أدني أثر لألم او ما يوحى بإصابة ما.
التقطت أنفاسي، وتشممت الهواء الثقيل حولي ونهضت واقفا في تراخى.
أشعر ببرودة خفيفة تبعث على القشعريرة ............
اين انا؟ ..........
رويدا رويدا بدأت اعتاد الضباب فاتضحت لي الرؤيا من حولي بعض الشيء، تلفت في كل الاتجاهات فلم اعرف مشهدا مألوفا لي من قبل .... لم اعرف المكان ولم أستطع تحديده .... انها المرة الأولى التي اتواجد فيها هنا ولا شك ...
ما الذي اتى بي هنا .............
أجدنى واقفا فيما يشبه الممر الطويل، انظر أمامي فلا أجد له نهاية، انظر الى الخلف فلا أستطيع ان المح له بداية ...........
اتلفت يمنة ويسرة، أراني في المنتصف تماما يحدني من الجانبين كحائط للممر صفين من التلال المتراصة والمتراكبة بعضها فوق بعض واصلة الى عنان السماء مخترقة ما يشبه السقف من السحب الرمادية والتي تخفى وراءها أضواء أرجوانية مختلطة لشمس متوارية في الحجب.
اعتصر رأسي لعلى أتذكر مثل هذا المكان، لا أجد له في ذاكرتي شبيه اعرفه لا من بعيد او قريب .... لا يشبه أي مكان اعرفه على الاطلاق.
كيف وصلت الى هنا؟ .... لا أتذكر أي شيء ...
هل فقدت الذاكرة؟ .... لا، إنني أتذكر كل شيء... اعرف من انا ...اعرف ماذا اعمل ... اعرف تاريخي كله ... اتحسس جيب سروالي الأمامي الايسر ...دائما ما اضع فيه حافظتي،
اخرجها انظر في بطاقة الهوية الخاصة بي ... رخصة القيادة ...... بطاقات الأندية التي اشترك بها ... بطاقة العمل ........... نعم كل شيء كما هو لا تغيير .... انا هو من انا.
مفاتيح السيارة ومفاتيح المنزل في الجيب الاخر ........ لا اختلاف عما اعتدت عليه.
اين سيارتي؟ هل اتيت الى هنا مشيا على الاقدام؟ لكأنني قفزت الى البقعة التي أقف عليها مباشرة من أعلى؟ هل جئت من الفضاء؟؟؟ الست في الأرض؟؟؟......
درت حول نفسي مرات ومرات لم أستطع تحديد بدايتى... أمن هنا ام من هناك؟ .... اخترت ان أمضي قدما الى الامام أيا ما كان وسط رؤيا رمادية مغلفة بأضواء باهتة رمادية، شعرت بالأرض وعرة زلقة تحت قدمي، كدت ان أفقد اتزاني أكثر من مرة لكنني في النهاية استطعت ان أتقدم في ثبات.
سرت ثم سرت، استرحت مرات ومرات، لم اشعر كللا في قدماي لكنني مللت الطريق
مضيت الساعات أتقدم للأمام .... لا تغير في المشهد على الاطلاق .... لكأنما اداور في حلقة مفرغة ليس لها نهاية مهما تقدمت الى الامام لا اختلاف، لكأنني اسير في مكاني.
تصببت عرقا رغما البرودة الخفيفة خلعت سترتى والقيتها جانبا فكرت انها ربما تكون علامة لي على الطريق ان كنت ادور فيه.
غددت في السير ......... دائما الى الامام بلا نهاية اما لهذا الطريق من منتهى؟
جلست لأستريح ....... لم اشعر بجوع او عطش ...... لكانما بدأت لتوي.
هل انا حي؟ .... جرحت نفسي بأحد المفاتيح فشعرت بألم وسالت قطرات من الدماء
نعم لا شك إنني حي؟ هل احلم؟ ..... ربما... لا سبيل لمعرفة ذلك الا ان استيقظ ان كنت نائما ...
لا أحد غيرى على هذا الطريق .... لا أثر لأي كائن حي على هذه الأرض ولا في هذه السماء....
استقر عزمي الى الجدار لربما كان المخرج عنده ........ اخترت الجانب الأيمن ...
لا يشبه أي جدار صخري اعرفه ......... ليس كأي حائط جبلي للممرات التي عهدتها ...
تلال متراصة بعضها فوق بعض، بعضها يفوقني طولا وبعضها يقل ....
تحسست الجدران فوجدتها مغطاة بطبقة من الهلام، سميكة في أماكن ورقيقة في أخرى، لكانما هي غلاف يحيط بالتلال .... غرست إصبعي فيها فسالت كالعصارة ... ذكرتني الوانها ببقعة الزيت المعدني حين تطفو على سطح الماء.
رأيت ما يشبه مقبض الباب ... استعصى على الفتح في البداية ولكنه انفتح ... سقطت طبقة من الصدأ تعلوه ولكن المقبض لم ينكسر، فتحت الباب على مصراعيه فهبت رائحة عطنة، لم أستطع الرؤيا في البداية ولكن وسط اضاءة قاتمة تظهر فبيها ومضات من ضوء غير ثابت المصدر استطعت التمييز .... غرفة صغيرة ربما تكفي لشخص واحد، ارضيتها صخرية مبتلة في بعضها جافة في البعض الاخر، جدرانها متساقطة الطلاء في أماكن كثيرة، معلق عليها لوحات لصور لم أستطع تبين نوعيتها هل زيتية؟ هل فوتوغرافية؟ هل ...؟ لم أستطع الجزم، بعضها يصور فتات من طعام، ملابس ممزقة، قطع معدنية من الخردة، شجرة جرداء.
فيما عدا ركن من الغرفة وكأنما قد اعد كمكب للنفايات ولربما كان هو مصدر الرائحة لولا حضوره لاستطعت ان أقول ان الغرفة خالية ... في الطرف الاخر من ناحية الباب تقبع نافذة صغيرة بغطاء زجاجي قذر استطعت من خلاله ان أرى امتدادا اخر لغرفة مشابهة تقريبا ومن خلال نافذتها أيضا تبينت امتداد غرفة أخرى .... غرفة من وراءها غرفة من وراءها غرفة على قدر ما استطاع البصر ان يدرك.
لا منفذ لي من هنا .... تركتها وذهبت الى التي تليها في حائط الممر ......نفس الصدأ على الباب .... نفس الابعاد .......نفس الأرضية والجدران واللوحات المعلقة والنافذة ...نفس مكب النفايات ...................
تركتها وفتحت التي تليها.............. نفس ما كان، والتي تليها نفس الشيء والتي تليها والتي تليها ..................
اكتشفت دهليزا داخل الحائط الصخري دلفت فيه .... وجدت ابوابا على الجانبين عندما فتحتها لم يختلف الامر كثيرا، تعمقت قليلا داخله فوجدت دهليزا اخر يتشعب منه الى اليمين واخر الى اليسار ...............
خشيت التيه فعدت أدراجي الى اول الدهليز.
انتقلت الى الحائط الايسر فعلت فيه بالمثل ...........
كدت اجن....
نفس الغرفات نفس الاشياء بلا انتهاء ...............
لربما اختلفت اللوحات...
بعضها تصور موائد طعام عامرة وبعضها فرش بسيطة على الارض ، ملابس فاخرة ذات ماركات عالمية معروفة وأخرى رثة بالية سواء كانت رجالية او نسائية ، صور الاشجار تباينت من جرداء عارية من الاوراق الى خضراء يانعة وربما فى بعضها ظهرت مثمرة ...
الارضيات صخرية فى بعضها او ربما طينية موحلة أو ممهدة عارية او مكسوة بأنواع مختلفة من الارضيات - رخامية، اسمنتية، ملاط ...
ربما وجدت في بعضها لوحات مكتوبة بلغة فاسدة لم أستطع فهمها وبعضها الاخر احتوي على جمل مفهومة وان كانت مكتوبة بطريقة لا تتبع ابسط القواعد السليمة للغة، بعضها كان مدون عليه ارقام والبعض به عمليات حسابية بسيطة تارة ومعقدة تارة اخرى ............
بعض الغرف احتوت على اثاث بسيط قليل والبعض احتوى على طنافس فاخرة ....
النافذة ربما اختلف غطاءها , بعضها كساه لوح خشبى مانع لاى رؤية من خلالها و بعضها بدا مغطى بطبقة رقيقة من الكريستال الفاخر الشفاف .........
ولكن دائما وابدا نفس الطبقة الهلامية وان اختلفت سماكتها ونفس المقبض الصدئ الذى انكسر فى يدى فى احدهم
شيئا واحدا داخل الغرف كان ثابتا لا يتغير - مكب النفايات دائما وابدا، نفس الرائحة العطنة، نفس الإضاءة القاتمة التي تنبعث كومضات من اللامكان.
لم اجد دليلا واحد يوحى بادنى حياة داخل هذه الغرف الرمادية القاتمة عطنة الرائحة .
اى غرفات هذه ..... كيف يمكن لاحدهم ان يحيا فيها على اختلاف مدارجها ..
غرفات لايسكنها الا العطن والنفايات ... لربما كانت ماوى للشياطين ....
اى مكان هذا الى وجدت نفسى ملقى فيه دون مقدمات ... دون ادراك حتى لماهية القدوم
انى يكون هذا المكان الباعث على الرهبة والكئابة ماوى لبشر؟
عدت الى منتصف الطريق تنتابني حالة من الهياج المختلط بالاسى، يكاد الغضب ان يمزقني اربا ...
ياس ساحق انتابانى حتى اوشكت على البكاء ....
اما الى خروج من سبيل ؟؟؟؟
جلست مهك القوى خائر العزم ، استلقيت على ظهري مفترشا الأرضية الزلقة .... ونظرت الى السماء.
لم ادر كم لبثت على هذا الوضع لكن بغتة ومن خلال فرجة بين السحب، رأيت السماء زرقاء قاتمة، شاهدت التلال تخترقها، بدت أحد الغرف وقد ظهر بابها واضحا جليا .......
لربما المخرج في الأعلى، بعيدا عن القاعدة قد يكون ....... لربما كان الخلاص هناك منذ البداية .... للأعلى.
انتفضت الى الجدار الأيمن مرة أخرى .... وتسلقت صاعدا، وتسلقت، وتسلقت ...
عنّ لي في منتصف الطريق ان افتح أحد الغرفات، انفتح بابها بسهولة، كانت الرؤيا أوضح والرائحة اقل حدة ، طلاء الجدران سليم والارضية ممهدة، مكب النفايات بصورة واضحة اقل منه فيما سبق بصورة واضحة ،اللوحات على الجدران مكتوبة بلغة تكاد تكون سليمة ...بدا لى الاختلاف ملحوظا حتى ان النافذة كانت مفتوحة والغرفة التي تليها ضهرت واضحة التفاصيل .
استمررت في طريقي صاعدا للأعلى، و كلما صعدت كلما اتضحت الرؤيا وخف ثقل الهواء وطابت رائحته ...
ما ان قاربت الوصول الى السحب حتى سمعت هاتفا يقول: ﴿ أَم تَحسَبُ أَنَّ أَكثَرَهُم يَسمَعُونَ أَو يَعقِلُونَ ان هم الا كالانعام بل هم اضل ﴾ ...........................
وعلى صفحة السحب انبلجت أمامي مرآة رأيت فيها وجهي خاليا من اية ملامح الا من عينين خاليتين من السواد .... عدستان متكسرتان بعدد لا يحصى من الاسطح , كانتا تبرقان بضوء ازرق باهت رهيب .............
ارتعدت وارتجف قلبي ... التهج لساني: اللهم عفوك... اللهم عفوك ... اللهم عفوك.
تقدمت مرتعشة أطرافي متجاوزا السحب فأشرق علىّ نور الشمس واستغلقت على الرؤيا.........
تذكرت كل شيء ..........
اخترق صوت شيخي الصمت الجاثم : انت من طلبت هذا .............
انت من طلبت ان ترى أفكار الناس ....
انت من القيت نفسك في هذا الخضم .................
احمد الله أنك قد عدت سالما، فلو أنك اخترت ان ترى ما في قلوبهم لما عدت الينا ابدا
...........على الاطلاق.