صالح بن عبد القدوس :
________________
صالح بن عبدالقدوس من الشعراء الذين قتلهم شعرهم بسبب الزندقة وقيل بسبب تعديه على جناب الرسول الكريم عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار صلاة وسلام
فقد ذكر ابن المعتز في كتابه طبقات الشعراء قال :
أخذ صالح بن عبد القدوس في الزندقة فأدخل على المهدي فلما خاطبه أعجب به لغزارة أدبه وعلمه وبراعته وبما رأى من فصاحته وحسن بيانه وكثرة حكمته فأمر بتخلية سبيله فلما ولّى رده وقال : ألست القائل :
وإن من أدبته في الصبا .. كالعود يسقي الماء في غرسه
حتى تراه مورقاً ناضراً .. من بعد ما أبصرت من يبسه
والشيخ لا يترك أخلاقه .. حتى يواري في ثرى رمسه
إذا ارعوى عاد إلى جهله .. كذي الضنا عاد إلى نكسه
قال نعم يا أمير المؤمنين ، قال : وأنت تترك أخلاقك ؟ ونحن نحكم في نفسك بحكمك ، فأمر به فقتل
كانت لصالح كتب وديوان شعر لم يبق منها أي أثر سوى أبيات متناثرة في طيات الكتب يؤتى بها على سبيل الشاهد أو المثال، وفي الغالب لا يذكر اسم قائلها. ويقال إنه كان له كتاب اسمه {الشكوك}، وله كتاب فيه كلام حسن في الحكمة. وأما شعره فقد جمع منه عباس الترجمان في هذا الكتاب حوالى 400 بيت فيما بعض المصادر يردد أن له أكثر من ألفي بيت شعر. شعره هذا الذي تميز بسلاسة الألفاظ وجزالة التركيب ووضوح المعنى، لا يهتم بالتزويق اللفظي والمحسنات البديعية، كاهتمامه بدقة التعبير عن المعنى الذي يختلج في صدره، فجل مجهوده أن يعكس انطباعاته عن الحياة وما فيها بأمانة ودقة كما يهجسها هو، وقد تخبئ فيه بعض المحسنات عفواً. والذي يقرأ شعره بدقة يدرك بوضوح أنه لم يتكلف بقول الشعر، وإنما يقوله على البديهة. وقد وُصف بحكيم الشعر، وساحر اللفظ وبليغ القلم. وقد كان الطائي يشبه في البديع بصالح بن عبد القدوس في الأمثال.
القصيدة الزينبية لصالح بن عبد القدوس:
_________________________
قصيدة حكمية وزهدية ذات مضامين اخلاقية بإمتياز، قصيدة تميزت بسلاسة الأسلوب ووضوح المعاني مع المحافظة قدر الاماكن على الجزالة والفصاحة وهو أسلوب عرف به الشاعر والمتكلم صالح بن عبد القدوس، هذا الشاعر المخضرم الذي عاصر كلاً من العصرين العباسي والأموي، الشاعر المثير للجدل بين متهم إياه بالزندقة وبين مؤيد له مبرء له من هذه التهمة ورافعه الى درجة الزهاد والعرفاء ولكنه مع ذلك دفع في نهاية المطاف حياته ثمناً لأفكاره
صرمت حبالك بعد وصلك زينب
والدهر فيه تغير وتقلب
نشرت ذوائبها التي تزهو بها
سوداً ورأسك كالثغامة أشيب
وإستنفرت لما رأتك وطالما
كانت تحن الى لقاءك وترغب
وكذاك وصل الغانيات فكأنه
آل ببلقعة وبرق خلب
فَدَع الصِّبا فلقدْ عداكَ زمانُهُ
وازهَدْ فعُمرُكَ مرَّ منهُ الأطيَـبُ
ذهبَ الشبابُ فما له منْ عودةٍ
وأتَى المشيبُ فأينَ منهُ المَهربُ
دَعْ عنكَ ما قد كانَ في زمنِ الصِّبا
واذكُر ذنوبَكَ وابِكها يـا مُذنـبُ
واذكرْ مناقشةَ الحسابِ فإنه
لابَـدَّ يُحصي ما جنيتَ ويَكتُبُ
لم ينسَـهُ الملَكـانِ حيـنَ نسيتَـهُ
بـل أثبتـاهُ وأنـتَ لاهٍ تلعـبُ
والرُّوحُ فيكَ وديعـةٌ أودعتَهـا
ستَردُّها بالرغمِ منكَ وتُسلَـبُ
وغرورُ دنيـاكَ التي تسعى لها
دارٌ حقيقتُهـا متـاعٌ يذهـبُ
والليلُ فاعلـمْ والنهـارُ كلاهمـا
أنفاسُنـا فيهـا تُعـدُّ وتُحسـبُ
وجميعُ مـا خلَّفتَـهُ وجمعتَـهُ
حقاً يَقيناً بعـدَ موتِـكَ يُنهـبُ
تَبَّـاً لـدارٍ لا يـدومُ نعيمُهـا
ومَشيدُها عمّا قليـلٍ يَـخـربُ
فاسمعْ هُديـتَ نصيحةً أولاكَها
بَـرٌّ نَصـوحٌ للأنـامِ مُجـرِّبُ
صَحِبَ الزَّمانَ وأهلَه مُستبصراً
ورأى الأمورَ بما تؤوبُ وتَعقُبُ
لا تأمَنِ الدَّهـرَ فإنـهُ
مـا زالَ قِدْمـاً للرِّجـالِ يُـؤدِّبُ
وعواقِبُ الأيامِ في غَصَّاتِهـا
مَضَضٌ يُـذَلُّ لهُ الأعزُّ الأنْجَـبْ
فعليكَ تقوى اللهِ فالزمْهـا تفـزْ
إنّّ التَّقـيَّ هـوَ البَهـيُّ الأهيَـبُ
واعملْ بطاعتِهِ تنلْ منـهُ الرِّضـا
إن المطيـعَ لـهُ لديـهِ مُقـرَّبُ
واقنعْ ففي بعضِ القناعةِ راحةٌ
واليأسُ ممّا فاتَ فهوَ المَطْلـب
فإذا طَمِعتَ كُسيتَ ثوبَ مذلَّة
فلقدْ كُسيَ ثوبَ المَذلَّةِ أشعبُ
وابـدأْ عَـدوَّكَ بالتحيّـةِ ولتَكُـنْ
منـهُ زمانَـكَ خائفـاً تتـرقَّـبُ
واحـذرهُ إن لاقيتَـهُ مُتَبَسِّمـاً
فالليثُ يبدو نابُـهُ إذْ يغْـضَـبُ
إنَّ العدوُّ وإنْ تقادَمَ عهـدُهُ
فالحقدُ باقٍ في الصُّدورِ مُغَّيبُ
وإذا الصَّديـقٌ لقيتَـهُ مُتملِّقـا
فهـوَ العـدوُّ وحـقُّـهُ يُتجـنَّـبُ
لا خيرَ في ودِّ امـريءٍ مُتملِّـقٍ
حُلـوِ اللسـانِ وقلبـهُ يتلهَّـبُ
يلقاكَ يحلفُ أنـه بـكَ واثـقٌ
وإذا تـوارَى عنكَ فهوَ العقرَبُ
يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً
ويَروغُ منكَ كمـا يـروغُ الثّعلـبُ
وَصِلِ الكرامَ وإنْ رموكَ بجفوةٍ
فالصفحُ عنهمْ بالتَّجاوزِ أصـوَبُ
واخترْ قرينَكَ واصطنعهُ تفاخراً
إنَّ القريـنَ إلى المُقارنِ يُنسبُ
واخفضْ جناحَكَ للأقاربِ كُلِّهـمْ
بتذلُّـلٍ واسمـحْ لهـمْ إن أذنبوا
ودعِ الكَذوبَ فلا يكُنْ لكَ صاحباً
إنَّ الكذوبَ يشيـنُ حُـراً يَصحبُ
وزنِ الكلامَ إذا نطقـتَ ولا تكـنْ
ثرثـارةً فـي كـلِّ نـادٍ تخطُـبُ
واحفظْ لسانَكَ واحترزْ من لفظِهِ
فالمرءُ يَسلَـمُ باللسانِ ويُعطَبُ
والسِّرُّ فاكتمهُ ولا تنطُـقْ بـهِ
إنَّ الزجاجةَ كسرُها لا يُشعَبُ
وكذاكَ سرُّ المرءِ إنْ لـمْ يُطوهِ
نشرتْـهُ ألسنـةٌ تزيـدُ وتكـذِبُ
لا تحرِصَنْ فالحِرصُ ليسَ بزائدٍ
في الرِّزقِ بل يشقى الحريصُ ويتعبُ
ويظلُّ ملهوفـاً يـرومُ تحيّـلاً
والـرِّزقُ ليسَ بحيلةٍ يُستجلَبُ
كم عاجزٍ في الناسِ يأتي رزقُهُ
رغَـداً ويُحـرَمُ كَيِّـسٌ ويُخيَّـبُ
وارعَ الأمانةَ، والخيانةَ فاجتنبْ
واعدِلْ ولاتظلمْ يَطبْ لكَ مكسبُ
وإذا أصابكَ نكبةٌ فاصبـرْ لهـا
مـن ذا رأيـتَ مسلَّماً لا يُنْكبُ
وإذا رُميتَ من الزمانِ بريبـةٍ
أو نالكَ الأمـرُ الأشقُّ الأصعبُ
فاضرعْ لربّك إنه أدنى لمنْ
يدعوهُ من حبلِ الوريدِ وأقربُ
كُنْ ما استطعتَ عن الأنامِ بمعزِلٍ
إنَّ الكثيرَ من الوَرَى لا يُصحبُ
واحذرْ مُصاحبةَ اللئيمِ فإنّهُ
يُعدي كما يُعدي الصحيحَ الأجربُ
واحذرْ من المظلومِ سَهماً صائباً
واعلـمْ بـأنَّ دعـاءَهُ لا يُحجَـبُ
وإذا رأيتَ الرِّزقَ عَزَّ ببلـدةٍ
وخشيتَ فيها أن يضيقَ المذهبُ
فارحلْ فأرضُ اللهِ واسعةَ الفَضَا
طولاً وعَرضاً شرقُهـا والمغرِبُ
فلقدْ نصحتُكَ إنْ قبلتَ نصيحتي
فالنُّصحُ أغلى ما يُباعُ ويُوهَـبُ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق