الأحد، مايو 16، 2010

ممدوح حمزة

حكاية ممدوح حمزة

07:52 15/05/2010, tag_editشمساوىworld_go

حكاية ممدوح حمزة
الدكتور ممدوح حمزة واحد من أكبر أساتذة الهندسة فى مصر، أشرف على تنفيذ عشرات المشروعات الكبرى فى مصر ودول العالم المختلفة بما فى ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان ويضيق المجال عن ذكر الجوائز الدولية الرفيعة الكثيرة التى حصل عليها ممدوح حمزة مما يجعل إنجازاته مفخرة حقيقية للمصريين والعرب جميعا.
على أنه، بالإضافة إلى نبوغه المهنى، يتمتع بإحساس عميق بالواجب العام، فهو يعتقد أن المعرفة ترتب مسئولية نحو الإنسانية ويكرر دائما أنه تعلم فى جامعة القاهرة على حساب فقراء المصريين فمن واجبه أن يكرس علمه لمساعدتهم بقدر الإمكان. عندما حدثت السيول الأخيرة التى اجتاحت محافظة أسوان وشردت آلاف المواطنين الفقراء..
أحس الدكتور حمزة بضرورة أن يفعل شيئا لمنكوبى السيول فظهر فى التليفزيون على قناة أوربت مع الأستاذ عمرو أديب وأبدى استعداده، متطوعا، لإنشاء مساكن بديلة للفقراء الذين شردتهم السيول وسرعان ما تدفقت التبرعات على البرنامج حتى وصلت إلى 28 مليون جنيه تم ايداعها فى حساب جمعية المواساة الخيرية للإنفاق على مشروع بناء مساكن لمنكوبى السيول.
تحمس الدكتور حمزة وترك أعمال مكتبه الخاص فى القاهرة وسافر إلى أسوان ليشرف مجانا على بناء المساكن للفقراء وتلقاه محافظ أسوان اللواء مصطفى السيد، كما هو متوقع، بترحاب بالغ وشكره بحرارة على تبرعه بمجهوده ووقته من أجل فقراء مصر ثم أمر فورا بتخصيص قطعة أرض لينفذ عليها المشروع ثم عاد واستبدل بها قطعة أرض أخرى ذات طبيعة صخرية يصعب البناء عليها لكن الدكتور حمزة (أستاذ ميكانيكا التربة وهندسة الأساسات) قبل التحدى واستطاع أن يعالج صعوبة الأرض، ويتغلب على وعورتها وقام ببناء 29 وحدة فى ثلاثة أسابيع وهو زمن قياسى واستطاع بخبرته الكبيرة أن يقلل تكلفة الوحدة السكنية حتى وصلت إلى مبلغ غير مسبوق هو 35 ألف جنيه وكان أمل المهندس الكبير أن يتمكن من تعميم مشروعه فى كل محافظات مصر، من أجل إيواء ملايين المصريين الذين يعيشون فى العشوائيات فى ظروف غير إنسانية بدون مرافق ولا كهرباء ولا صرف صحى.
استمر العمل قائما على قدم وساق وكان كل شىء يبشر بنجاح مشروع ممدوح حمزة لإسكان الفقراء لكن الرياح تغيرت فجأة وبدلا من كلمات التقدير والثناء، انقلبت محافظة أسوان على ممدوح حمزة تماما فرفضت تزويد المشروع بالمياه ورفضت إعطاءه تراخيص البناء ورفضت دفع مستحقات عمال البناء التى اتفقت عليها بل إنها قامت بتجميد أموال تبرعات الأهالى، وهددت جمعية المواساة الخيرية بعقاب شديد اذا صرفت جنيها واحدا للدكتور ممدوح حمزة من التبرعات التى دفعها المصريون أساسا لأنهم يثقون فى إخلاصه وكفاءته. بل وصل الأمر إلى إبلاغ الشرطة التى قبضت على المهندسين والعمال أثناء عملهم فى المشروع واحتلت الموقع ومنعت العمل فيه ورفضت تحرير محاضر إثبات حالة لصالح ممدوح حمزة..
وهكذا تحول الدكتور حمزة إلى العدو الأول لمحافظ أسوان الذى استدعى بعض المهندسين (وجميعهم كانوا تلاميذ الدكتور حمزة فى كلية الهندسة) ليكتبوا تقارير تؤكد أن المساكن التى شيدها بها عيوب هندسية، وقد رفض معظم المهندسين مخالفة ضمائرهم وكتبوا تقارير يشيدون بالإنجاز الهندسى لأستاذهم الدكتور حمزة وكانت النتيجة أن أخفى المحافظ هذه التقارير لأنها جاءت على غير هواه..
وفى النهاية أحال محافظ أسوان الموضوع إلى النيابة وهذا تصرف غريب فالدكتور ممدوح حمزة ليس قاتلا ولصا حتى تحقق معه النيابة وإنما هو عالم مصرى كبير أراد أن يخدم بلاده متبرعا بماله ووقته وجهده. للأسف ليس بمقدورنا أن نتفاءل بتحقيقات النيابة لأن النائب العام ليس مستقلا عن السلطة السياسية فى مصر. على أن السؤال هنا: لماذا انقلب النظام على ممدوح حمزة وحاربه بضراوة بعد أن رحب به فى البداية.. الأسباب تتلخص فيما يلى:
أولا: إن الوحدات السكنية التى نفذها ممدوح حمزة زهيدة الثمن جدا، تتكلف الواحدة منها 35 ألف جنيه بينما مساكن الفقراء التى تنفذها المحافظة تتكلف الوحدة الواحدة 80 ألف جنيه..
الفرق بين الرقمين يذهب إلى جيوب كبار المقاولين الذين يتمتعون بعلاقات واسعة مؤثرة فى أجهزة الدولة المختلفة. هؤلاء المقاولون يعتبرون نجاح ممدوح حمزة فى مشروعه تأسيسا لنموذج جديد من إسكان الفقراء قابل للانتشار مما يعد تهديدا خطيرا لمصالحهم لأنه سيؤدى إلى خسارتهم لأرباح بالملايين ولذلك فهم سيفعلون كل ما بوسعهم للقضاء على مشروع الدكتور حمزة وتحطيمه.
ثانيا: إن المشروعات التى تنفذها المحافظة سيتم افتتاحها بواسطة السيدة سوزان مبارك حرم رئيس الجمهورية ولا يليق أبدا، فى أذهان المسئولين، أن تفتتح السيدة سوزان مشروعات إسكان للفقراء باهظة الثمن بينما ينجح ممدوح حمزة فى بناء مساكن أفضل منها بنصف التكلفة ولعل الكابوس الذى يؤرق كبار المسئولين ويمنعهم من النوم.. أن تسمع السيدة سوزان مبارك عن مشروع ممدوح حمزة الناجح فتوجه إليهم هذا السؤال المنطقى:
كيف استطاع الدكتور ممدوح حمزة أن ينفذ مساكن الفقراء بنصف التكلفة التى تقبضونها؟
ثالثا: إن نجاح مشروع ممدوح حمزة سوف يثبت مهاراته الإدارية بالإضافة إلى نبوغه المشهود فى مجال الهندسة، الأمر الذى قد يطرح اسمه بقوة كمرشح للوزارة فى أى تعديل وزارى قريب. هذا الأمر بالذات يثير فزع بعض الوزراء المرتعدين خوفا على مناصبهم وهم يعتبرون ممدوح حمزة وكل من كان فى كفاءته، منافسا خطيرا قد يؤدى إلى إزاحتهم من مناصبهم.
رابعا إن مشروع ممدوح حمزة الذى اعتمد بالكامل على تبرعات الأهالى لا يتبع أية جهة حكومية أو شبه حكومية.. وهو نموذج ناجح قابل للتنفيذ فى محافظات مصر جميعا.. مما سيؤدى إلى تكوين إرادة شعبية تتحدى الحكومة وتنشئ مشروعات أفضل من مشروعاتها. والنظام فى مصر، مثل كل الأنظمة الاستبدادية، لا يستريح إطلاقا لفكرة استقلال الإرادة الشعبية حتى لو تعلق الأمر ببناء مساكن للفقراء لأن الذين يجتمعون اليوم لبناء مساكنهم بأموالهم ومجهودهم سيجتمعون غدا، حتما، للمطالبة بحقوقهم السياسية المهدرة.
إن حكاية ممدوح حمزة بقدر ما هى محبطة فإنها مفيدة،إن ما حدث للدكتور ممدوح حمزة، هو بالضبط ما حدث من قبل مع الدكتور أحمد زويل ومع كل المصريين النابغين الذين حاولوا أن يفعلوا شيئا لمساعدة بلادهم.

ليست هناك تعليقات: